بفرحٍ كبير واندفاعٍ لا يوصَف، نلتقي من جديد في عمّان، حيث شكّلت خمسةُ مؤتمراتٍ سابقة لـ”نساء على خطوط المواجهة في نسختها الشرق أوسطية”، منصّةً لنساء وسيدات مُلهمات من المنطقةِ العربية والعالم. صحيح أنّ الجائحة الصحيّة فرضت غيابَنا لعامين في 2020 و 2021، لكنّ عودَتَنا العامَ الماضي وبتحفيزٍ من الأصدقاء في الأردن، وهم من أشدّ الداعمين لقضايا المرأة وحقوقهِا، كانت أقوى بكثير، ما جعلَ من هذا الحدث محطةً مَرْموقةً مُنتظرة على جدولِ الأحداث والنشاطات النسائية
وإنّه لشرفٌ كبيرٌ اليوم، أنْ أقِفَ مُجدّدًا على هذا المِنبر لإطلاق مؤتمر “نساء على خطوط المواجهة” في نسخته الشرق أوسطية السادسة
ينعقدُ مؤتمرُنا هذه السنة أيضًا تحت رعاية ِ دولةِ رئيس مجلس الوزراء الاردني الأكرم د. بشر الخصاونة وله منّا التحيةَ والشُكر
واغتنم المناسبة لأجدِّد التحية لجلالة الملك عبدالله الثاني الذي لا يتأخّر عن دعم أي خطوة تُعلي من شأن المرأة، وتساهمُ في تمكينِ قدراتها وكذلك لعقيلتِه جلالة الملكة رانيا العبدالله، التي كانت السبّاقة في منحِ رعايتٍها لمؤتمر WOFL Jordan في نسختِه الأولى عام 2016
لاشكّ أنّ مناخَ التغيير السلمي الذي بدأ يفرِضُ تلمُّسَ واقعٍ جديد في المنطقة من شأنِه أن يُخفِّفَ أجواءَ التشنّجِ التي لطالما دفعت المرأة ثمنَها إلاّ أنّ شرارات التوتّر التي تبدأُ تخمُدُ على إحدى الجبهات كما هو حاصلٌ في اليمن لا تلبثُ أن تعودَ لتشتعِلَ في دولةٍ أخرى كما هو الحال في السودان ناسفةً معها كلَّ الايجابيات التي حقّقتها النساءُ اللواتي شاركن في الثورةِ وحلِمنَ بغدٍ جديدٍ أفضل
وبحسب التقرير الصادر في الدورة السابعة والستين للجنةِ وضعِ المرأة التي انعقدت في شهر مارس آذار الماضي يبقى العنفُ و”التمييزُ المتأصّل” على رأسِ التحديات التي تُعرقِلُ نهضةَ المرأةِ العربية
أما بحسب تقريرٍ لل ESCWA الذي صَدَرَ مطلعَ هذا العام فما زال تمثيلُ المرأة في الهيئات التشريعية والتنفيذية، الحكومية والمحلية، وفي مواقع صنع القرار مخيِّباً للآمال
صحيحٌ أنَّ المشاركةَ الفاعلة للمرأة في الحراك الشعبي في عددٍ من البلدان العربية اعتُبرت خطوة أولى باتجاهِ تغييِر الثقافة المجتمعية والنظرة الدونِية تُجاهها إلا أنَّ نتائجَ الانتخابات التي أعقبت هذا الحراك جاءت مخيِّبة للآمال. فالمرأة لم تحقق نِسَبَ تمثيلٍ مقبولة، ما عدا في الدول التي تًطبِّق نظام الكوتا
إذاً، فإنّ التحدّيات تبقى كبيرة لاسيما في المجتمعات حيث لا زالت المرأة تُغَيَّبُ بسببِ تقاليد وقِيَم اجتماعية، في وقتٍ تبرزُ نساءٌ شُجاعات ومبادِرات/ قاوَمنَ لكسرِ الصُوَر النمطيّة، وإثباتِ حضورِهنّ فأثَّرْن بالرّأي العام وصَنَعْنَ الفرق
ففي أيران مثلاً، كانت مهسا أميني مصدرَ إلهامٍ للاحتجاجات الإيرانية… اعتقالُها من قِبَلِ النظامِ ومن ما يُسَمَّى بشرطةِ الأخلاق تحديدًا، على خلفيةِ ارتدائها الحجاب بشكلٍ غيرِ صحيح، ووفاتِها في الإعتقال، أدّيا إلى اندلاع تظاهراتٍ مطلبية واسعةِ النطاق/ وصلت الى احتجاجات فتيات في سنّ المدرسة الثانوية تحدّينَ حملات الشرطة الأمنية
وبينما لا تزال المرأة المصرية غائبة عن منصات القضاء المدني والجزائي، اعتلت رضوى حلمي أحمد، المصرية، منصةَ المحكمة الإدارية في مصر كأولِ قاضيةٍ تشغلُ هذا المنصب… لم يكُنْ القانونُ يَمنعُ هذا الأمر، لكنَّ العرفَ الجاري جعله حكرًا على الرجال
في لبنان، للمرة الأولى تساوى عددُ الضابطاتِ الإناث مع عددِ الضباطِ الذكور بين المتخرِّجين في الكليةِ الحربية برتبة ملازم. كما سُجِّلَ ارتفاعٌ طفيف في عدد النساء اللواتي دخلن الندوة البرلمانية في الإنتخابات النيابية الأخيرة
في المملكة العربية السعودية، تُحَقِّقُ المرأة انجازاتٍ في مجالات عديدة منها الطب، التجارة والتعليم، والنقل والرتب العسكرية. كما بدأَ تعيين ُالنساء في مناصبَ قيادية سياسية ضمن مسيرةِ التطويرِ والتحديث واختيارِ الكفاءات لتحقيقِ رؤية المملكة 2030
دولة الإمارات المتحدة مستمرة بدعم المرأة ولعلَّ أكبرَ إنجاز لها كان عبر مساهمة الدكتورة سارة المعيني في بحوث الفضاء عبر إطلاق المستكشف “راشد” إلى سطح القمر،
حضور الأردنيات السياسي كان لافتًا على المستوى العالمي مع الأردنية خيلاء موسى التي فازت بعضوية بلدية كرولي البريطانية عن حزب العمال البريطاني؛ ورياضيا، كانت آية المجالي، أولَّ أردنية تُشاركُ في دوري أبطال أوروبا مع فريق أولومبياد الروماني للسيدات، كذلك فاز الأردن بجائزتين ضمن جوائز “فاطمة بنت مبارك” لرياضة المرأة في أبو ظبي
لاعبة كرة المضرب التونسية، أنس جابر، كانت أول عربية تصل إلى نهائي ويمبلدون، وأولَّ عربيةٍ على الإطلاق تحتلًّ المركزَ الثاني في تصنيفِ اللاعبات المحترفات
أمّا في المغرب، فأصبحت بشرى الكربوبي أولَّ حاكمةٍ في كرة القدم تُديرُ نهائي كأس العرش في المغرب، في سابقة من نوعها في العالم العربي
في موازاة إنجازات المرأة العربية هناك نقاط ضوء عديدة لصالح المرأة نستقيها من سائر أنحاء العالم
من وينيت زاراي من زيمبابوي التي حازت على جائزة الأمم التحدة لحفظ السلام لعملها مع البعثة في جنوب السودان وجهودِها لمناصرة المساواة بين الجِنسيْن
الى عازفة الكمان المكسيكية مارثا كوروزو، التي قادت وألهمت مجموعة من حوالي 17.000 ناشط بيئي محلي، مُكَرِّسين حمايةَ منطقة سييرا غوردا النائية والجميلة
هذه النساء وغيرُهن من المبادِرات، وإنْ كُنَّ تبعثنَ ولو القليل من الأمل بالتغيير لا تمحينَ واقعًا أليمًا لا تزال تعيشُه النساء والسيدات في العالم… إذْ لا تزال نسبةُ جرائمِ القتل الأُسَرِية مرتفعة/ كما في الاردن والعراق وحتى لبنان ودول الخليج حيث من المطلوب المزيد من القوانين والإجراءات العملية لوضعِ حدٍّ لكلِّ أشكال العنف القائم على النوع الإجتماعي وإلغاء التمييز على صعيد الأحوال الشخصية، وإنهاء ولاية أمر الرجل والإذن بالسفر، إلخ
وإذا انتقلنا الى أفغانستان المشهدُ يُدمي القلب إذ بعد عشرين عاماً من صراع المرأة ونضالِها لتحصيل حقوقها عادت حركة طالبان لحظر تعليم النساء ومنعِهنَّ من العمل
بالطبع لا يمكننا تقديمُ واقعٍ شاملٍ تفصيليٍّ لوضع المرأة بصورةٍ إجمالية نظرا لضيق الوقت، لكنّنا أصرّينا على سردِ بعض المبادرات التي تجسّد أهميّة نضال المجتمعات حتّى نيل المرأة كاملَ حقوقِها، ونقصد هنا نضالَ المرأةِ والرجلِ معًا… الرجل المؤمن بشريكتِه في المجتمع
ما أخْبَرْنا عنهُ من انجازاتٍ حققتها المرأة أو صعوباتٍ تواجهها ليس إلا تأكيد على أننا على الطريق الصحيح وإن كان الدرب لا يزال طويلًا، إلّا أننا مؤمنون بانتصار الحقّ في نهاية المطاف
ونحن في مؤسسة مي شدياق، وعبر برامجنا السنوية، ومن خلال المؤتمر الذي نعقدُه اليوم خصوصًا، نُجدّدُ ايمانَنا بالمرأةِ القادرة على تخطّي كلِّ الحواجز، فنخطو خطوةً جديدةً في مسيرتِنا المتواضعة لدعمِ المرأةِ، القادرة بالتأكيد كما الرجل وأكثر، على صنعِ القرار